مــشـهـد 2

 ..} 
شتاء دآخلي !
أمطرت ..
بعد إنحسار أدبي ضقت به ذرعا ..
إنحسار كاد يفتك بخزينتي الروحية ..
يحق لي الآن أن أبتسم بطلاقة ..
أحس بتلك السيول التي لطالما إنتظرتها تشق طرقات كانت قد أقفلت !
ألتمس رعشة باردة لطالما إنتظرتها ..
دفء عاطفي يجتاح إقليم مساحتي الضئيلة ..
تغيرات متتابعة تعصف بي ..
لا يهم !
ولا أريددكم أن تهتموا أيضاً ..~
{..~
" كنّا بأواخر الشتاء قبل اللي فات .. "
لحظة ما هذه الموسيقة..!
أطلقت تنهيدة إستياء لقطعها أفكاري..
لمعلوماتكم أعزائي ، تلك كانت رنة هاتفي المحمول ..
كم أكره تلك الإزعاجات ،،
" متى ستكفين عن ذلك يا آيه ! "
آيه هي إحدى صديقاتي ، هذه المعلومة لكم أيضاً ..
ما أريدكم أن تعرفوه ،، أنها كانت تهوى فعل ذلك ..
" آووف ،، لن أستطيع أن أكملها ،، سترين يا آيه ! ،، لن يقوى أي أحد على تخليصك من بين يدي غداً " ..
لم ألبث بعض الوقت بعد فراغي من تلك العبارة حتى سمعت باب غرفتي يقرع ..
" من ؟ "
" هذه أنا يا إبنتي ، ألا تودين تناول العشاء معنا ؟ "
" ها أنا آتيه أمي "
" بانتظارك .. "
تركت ما كنت قد شغلت نفسي به ،، وهممت لأشاركهم العشاء ..
" مساء الخير "
" مساء الخير يا ابنتي هيا لقد بدأنا "
" هيا يا رنالدا ، لا أود أن أسمع توبيخات أمي أكثر من ذلك " كانت تلك شقيقتي الصغرى سحر ..
" لم أجبرك على انتظاري يا دكتوره سوسو " قلت ذلك وأنا أسحب كرسي بغضب ..
" ههههه ،، لا عليكِ حبيبتي "
" لا أدري يا جدتي ما تستفيده من مضايقتي دوماً "
جعل الجميع يضحكون بينما أنا أقضم قطعة الخبز بعصبيه ،، معلنة عن إستيائي .!!
أنهيت عشائي وأسرعت بالنهوض ..
" أمي لا تنسي إيقاظي باكراً غداً  أمامي يوم شاق"، 
 قلت ذلك موجهة الحديث لأمي ووأنا متجهة إلى غرفتي ..
" حسناً يا ابنتي "
كشفت لأمي عن ابتسامة مني ،، كأنني أؤازرها على تحمل إيقاظي دائماً ..
لا أخفيكم  مهمة إيقاظي مهمه صعبة تتكبد أمي مشاقها كل صباح !
" أعآنك الله يا أمآه " قلت ذلك بسري وأنا أضحك ..
أستوقفكم
سأخلد للنوم ,,
في صباح اليوم التالي ،،
" رنالدا ، رنالدا ، يا إبنتي هيآ لقد تأخرتي "
" آوه أماه كم الساعه ؟! "
" السابعه والنصف تماماً !! "
" يآ إلهي لقد تأخرت !! " قفزت من سريري لأحضر نفسي للخروج ..
لكن !
" أمي ما بكِ تضحكين ؟! "
" آسفة ٌ يا إبنتي ، لكنني مضطرة لأن أكذب عليكي كل صباح ! "
" آوووه آمآآآه ،، لقد كررتِها مجدداً !! "
لا تكبدوا انفسكم عناء تحليل ما حصل لأني سآشرح لكم ،،
 أمي كانت توهمني أن الوقت متأخر كلما أيقظتني، على عكس الحقيقه فالوقت مازال باكراً ! ..
 لآنها  تعرف بأن لا شيء يمكن أن يقتلعني من السرير سوى إحساسي بأني متأخره !
" كم أنتِ ماكره أمآه ! "
زاد رنين ضحكتها وقالت :: " هيّا استعدي ، وتعالي لتتناولي الإفطار مع والدك "
هززت رأسي بالموافقه بينما كنت أغسل وجهي ..
أنهيت كل استعداداتي لقضاء يومٍ طويل ممل في الجامعه !
" صباح الخير أبي "
" صباح الخير " قد قالها لي مبتسما ..
جلست لأشرب فنجان قهوتي الروتيني ،،
كان هناك هدوء صباحي قد عم على الجميع ..
شربت فنجاني ،، وأسرعت لأنهض ..
" رنالدا !! "
" نعم أبي "
"لا تنتظريني اليوم ، عودي الي البيت مشياً " 
 قالها مسرعاً دون أن يلتفت إلي ..
" حسنآ أبي "  قلت باستسلام ..
خرجت من البيت قاصدةً الجامعه ..
مشياً أيضاً !!
على أبواب الجامعه ، صادفت آيه ودخلنا سوياً لنبتدئ يوما دراسياً طويلاً نوعاً ما ..
بعد أربعةِ محاضرات وتسليم أبحاثٍ وواجبات ، جلسنا أنا وهي لنشرب فنجاناً من الشاي ونستريح قليلاً ..
" آية ، اعذريني علي أن أعود للبيت فوراً "
" لماذا ؟! ، ليس لديكِ أي أعباء ٍ غداً ، فليس هناك داعٍ للعوده باكراً " ..
" لا تنسي أنني سوف أعود مشياً وهذا سيستغرق وقتاً ! "
" انتظري قليلاً سوف يوصلكِ أبي عندما يأتي لأخذي "
"لا تقلقي ، فلا ضرر من أن أعود مشياً اليوم "
" كما ترغبين عزيزتي ، إلى اللقاء "
تركتها متجهة لأخرج من الجامعة .. لبدء رحلة سير طويلة ..
لكن انتظروا ،،
عليَّ أن أفي بوعدٍ قطعته !
سوف أمر من ذلك الشارع ،،
لا أظنكم قد نسيتم تلك الليلة ،، ذلك الشارع الذي جمعني به !
غيرت مساري بإتجاهه ..
" يا ترى هل أراه ؟! "
" لا تكوني غبية ،، يمكن أن يكون قد مر بمحض الصدفه تلك الليلة "
لا تدعوا أفكاركم تذهب بعيداً ،، ذاك كان حواراً داخلياً ..
فعقلي وقلبي لا يتفقان أبداً ،،
أريدكم الآن أن تصغوا إلي جيداً ،،
لأنني سوف أوافيكم بحالتي الشعورية ،،
ذكرى تلك الليله لا أنساها ،، 
المكان ،، الزمان ،، تلك الأضواء ..
لم يتغير شيء ،،
سعادةٌ تملؤني ، واشتياقٌ لذلك المجهول !
يال ذاك العالم المجهول الذي اقتحمته تلك الليلة ،،
أحدق جيداً ،،
أتأمل تفاصيله ،، لأني لم أتمكن من الإلمام بإحداثياته في الظلمة ..
كان بريق عينيه هو الذي يكشف لي عن بعض بؤرات المكان ..
ذاك العمود الذي استند إليه ليلتها محدقاً بي !
جعلت أقترب منه ،، فهو على االأقل احتضن شيئاً منه ..
والطريف لحظتها !
انني أسندت ظهري إليه ! تماماً كما فعل هو ..
إحساسٌ غبي ٌ جميل !
لا يهم هو رغم كل شيءٍ جميل !
لكن التصرف الحقيقي الذي يمكن أن أنعته بالغباء حقاً هو أن ..
هو أنني بدأت أغني بصوتٍ منخفض !!
" صوتُكِ جميل ،، والأجمل منه هو ذلك الإحساس الذي تغنين به "
سكت ! ولم أحاول زحزحة نفسي ولا الحراك ..
بل وكتمت أنفاسي أيضاً ..
بدأ ذهني يعتصر محاولاً تحديد مصدر ذلك الصوت ،،
كنت موقنة أنه خلفي تماماً ،، ولربما كان مستنداً إلى نفس العمود أيضاً ،،
إنه صوته ..!
أنا أكيدةٌ من ذلك !
يا إلهي ما هذه الورطة ! موقفٌ محرجٌ للغايه !!
ماذا عساي أن افعل ؟!
لم أكن أتوقع أنه سيوفر علي عناء حيرتي بقوله..
 " أظننآ قد تعآهدنآ ! ، أقصد أظن أن أرواحنا تعاهدت على اللقاء مجدداً هنا ،، يا .. "
" رنالدا " قلتها بعفويه !
" يا رنالدا " قد قالها وهو يهم بتعديل إزاحته ليصبح أمامي مباشرة !
 ابتعدت عنه بتلقائية لأكمل طريقي ،، حيائي ما دفعني لفعل ذلك ..
" رنالدا "
" نعم " وقد استدرت لوجهته ..
اقترب مني ..
" إسمي محمد " قالها باسطاً إليّ يده للمصافحه !
" أهلاً محمد " ومددت يدي كي أصافحه !
أعترف لكم ،، لم أصآفح غريباً من قبل ،، لكن لا أعرف لماذا أجزائي تعتزم مخالفة أوامري أمامه !
" كيف حالكِ ؟ ، أكرر إعتذاري عن تلك الحادثة "
" لا عليك ، لم يحصل شيء يستحق الذكر "
" الحمد لله على كل حال "
" الحمد لله ،، لقد تأخرت يجب علي أن أعود إلى البيت ،  الشمس توشك على المغيب ؟ "
" سأرافقك ! " وقد غدا بجانبي يمشي ..
" لكن ياا !! "
"محمد ، لا ضرورة لتحمِّلي نفسك عباء أيّة ألقاب "
" كيف سترافقني يا محمد !! "
" بالتأكيد لن أدعكِ تقضين الطريق لوحدك ، لا تنسي أن الشمس بدأت تغيب وأنتي لم تصلي بعد ! "
لم أرد ! ، ومشيت بجآنبه مستسلمة ..
طوال الطريق كان يتحدث وأنا أستمع ،،
بل وأستمتع !
كان كلامه ساحراً حقاً ، يا له من شاب !
أوصلني لمطلع الحي ،،
" يكفي يا محمد ، لا أريد أن أتقدم وأنت برفقتي ، فمنزلي قريبٌ من هنا "
" حسنآ ، حفظك الله ، لكن ! متى سأراكِ ؟ "
ابتسمت ..
" لآ داعي لتحديد ذلك ، سنلتقي ! "
ابتسم هو الآخر ..
" وهو كذلك "
سار كل منا بطريقٍ معاكسٍ للآخر ،،
وعزمنا هذه المرة  على تجديد العهد !
باسم [ الحب ] ،، ومن أجل [ الحب ] ..
سنلتقي ..~




Comments

Popular Posts