مشهد 14



في العادة أنا فتاة تميل للسكون في لحظات كهذه..  " لحظات الأمل والترقّب"
أحب ترك الوقت يأخذ راحته بالتحرك والتحدث والتكهن فيما سيأتي وفيما سيكون.
بينما أكون أنا بديلة العقارب ، مصلوبة على جدار الانتظار ..
لكن ليس اليوم .. قلبي جائع خاوي وكل حواسي تترقب ما هو قادم
فاليوم هو موعدي مع سارة "علانية" .. وموعدي معه "خفية "
ولي قرابة الساعة والنصف أنظر مرءاتي .. أحدّث انعكاسي فيها

ألن تبدئي بتجهيز نفسك يا أنا ؟
لما كل هذا التردد ؟
أرجوكِ توقفي عن التوهمات واعتبريها مجرد زيارة لصديقة تحتاج مساعدتك في الدراسة..
لا تبني تأملات واهية كي لا ينكسر إبريق تفاؤلك .. قد يصعب عليك لملمة قطعه هذه المرة !

يا الله .. سيء هذا الوقت من التوقع والتأمّل وجرحي مازال  يُؤلم جوفي ،
وكم هومحرج هذا الاحتياج لكتف أشكو إليه أمرك،
يدمرني هذا الألم النازح إليّ من قسوة غيابك .. ويزيد من ألمي عنادك المتفاني
فرحتي مهدورة خارج نطاق تواجدك ..
وأنت لا تُحدِث من بَعدي أي شيء يدعوني للتماسك والتجلّد بعيداّ عنك !!
والخيبة تلبّست كل ما فيَّ حتى أني أصبحت أتجرعها مع كل ذرة هواء تصل إلى رئتي ،
وفي هذه اللحظة لاأشعر بغير الحيرة ، حيرة تشق أفكاري لأنصاف منصفة لا تحل ولا تربط !

حسناًّ، كفاكِ سرحاناً رنالدا ! عودي إلى كوكب الأرض وجهزي نفسك فوراً !!
..
تجهزت على نغمات أغنية فيروز " ايه في أمل"
وطوال الطريق وكلماتها تتردد في ذهني ..
" في أمل .. إيه في أمل ... أوقات بيطلع من ملل
وأوقات بيرجع من شي حنين .. لحظة تيخفف زعل.."

هكذا حتى وصلت لوجهتي..

دعوني أختصر تفاصيل الزيارة  وأصل بكم إلى لحظة لقياه ..
فبعد أن رحبّت بي سارة وأرشدتني لغرفتها ..
مضى  بنا الوقت منشغلين بحيْثيات الدراسة وشرح دروس الأحياء
إلى أن قوطِعنا بصوت دقاتٍ مترددة على باب الغرفة
وإذ بصوته يستأذن الدخول ..
وصوت آخر بدأ بالطرق دون استئذان .. "صوت دقات قلبي"

أجابت سارة بـ ..
-         نعم " محمد " تفضّل ؟
-         أردتُ أن أعلمكِ بأن أمي خرجت منذ قليل وتخبرك بأن القهوة والكعك في غرفة الجلوس
-         حسناً أمهِلنا بضع دقائق وسنأتي
لا أدري كيف حدث ذلك، لكن توقف الوقت وكل شيء عن الحراك لحظة تلاقي أعيننا
أحسست وكأني أعيش حالة نوستالجيا  أبدية !

آخ منك وهذه المرة أقصد بها تمنّي دفع قلبي عنك وبقوّة ،
ليتني واصلت عنادي لعشقك ولم آتي الليلة..
وليتك ابتهجت بلقائي وما اصتدمت بشح حنيني لك مقارنة بعتابي
وليتني أخوض حربي مع هواك بجسارة وأستطيع نسيانك

خرجت من حالتي هذه بدعوة من سارة للجلوس في الصالة لشرب القهوة ،
وفور جلوسي .. استأذَنَتْ هي مني لتجري مكالمة هاتفية عاجلة
جلستُ لوحدي أتأمل فجان قهوتي وكأنه غير صالح للشرب بل صُنِع فقط لتَأمُّل سوادِه الحالك!

أكذبكم القول لو أخبرتكم أني أعلم بمحتوى أفكاري في هذه اللحظة
كانت تُكتَب في كل مكان! حتى أنها تَسْتَخدِم حيز الهامش
وتَرسِم خطوطاً متشابكة ودوائر !!
إلى أن قطع هيجانها وحِسّها الفنيّ المعاصر صوت أحدهم من خلفي،

-         ما حالك؟
لم أتمكن من الإجابة.. فكأني أُمتحن في شيء خارج منهاج الدراسة!
تقدم بعدة خطوات إلى أن أصبح أمامي.. وأعاد السؤال
لكن هذه المرة تمكّنت من رؤية محتوى نظراته
أجبته بنظرات تتحدّث بما لا يستطيع لساني النطق به..

-         ما هو لون مزاجك بعد كل هذه الغيبة ؟
بالعادة أنت لا تمتزج بالألوان هذه ولا تمتزج بالأمزجة الدخيلة!
وسؤالك عن حالي يتصبّغ بلون ضجر يشبه ضجر طفلاً من اللعب وحيداً

-         أمازلت تفهم حديث نظراتي؟
ابتسم ابتسامة وكأنما يجيبني بـ "وهل لي بأن أنسى ؟! "

جلس على الأريكة المقابلة لأريكتي ولم يتفوَّه بنصف كلمة ...
أخذ بتأمّلي وتأمّل عيناي بالتحديد،
أعلم ما تحاول فعله !
ترْقُب بريق عيناي وتبحث عن ما يجول في خاطري..
دائماً ما تتهرب من الحديث المباشر وتبحث عن أبعد الطرق لتتفحص مشاعري
لا ألومك فكلانا يتّبع المنهاج ذاته

آخ منك ، آخ التي تعني يا شدّة شوقي لك ولرؤية ضحكتك
آخ لو أنك سيء ، سيء جداً لدرجة تدفعني لكرهك
 لدرجة أغمق من لون القهوة التي أمامي
غامقة لدرجة أنها تُغشي على رُؤيتي لمصير هذا الحب الانتحاري
آخ لو أني لم ألتقيك في محيط قلبي البسيط،
لو أني تجاهلت فورة حبك وأطفأت شمعته الرابعة
لو أن كِلانا لا يحث نديمه على خيانة الحديث بالصمت !
لو أنّي أدّعي جهلك وأنكر ما أفهمه منك  ومن بريق عيناك حين تنظرني
لو أن روحك قريبة مني كما قلبك!
لو أن كلانا سار في دربٍ معاكس" درب المكابرة" ولم نسلك ذاك المنعطف وذاك الاعتراف،

-         أكنت تقصدها؟ أم أنك كنت تقصد معنى آخر ؟
تفاجأ من سؤالي ! وتفاجأت أنا من قدرتي على النطق بهذا التساؤل خارج نطاق أفكاري !!

-         ماذا تقصدين ؟وما الذي قَصدتُ به معنى آخر؟
جمعت كل ما استطعت جمعه من قوايَ لأتابع الحديث، وأجبت

-         بأنك تحبني..
خرج كلامي مصحوباً برجفة خوف
لا أدري أهو الخوف من الإجابة أم من اعترافي بحبه لي ؟!
تردد في الإجابة ، ومع كل ثانية يطول فيها تردده يزيد خوفي

-         نعم قصدتها.. وأقصدها في كل مرة أكررها في ذهني!
للحظة ظننت دموعي ستخونني وتنهمر!
دقات قلبي بدأت تتسارع
وكأني أرى أشباحاً لا حصر لعددها أو كأنني أنهيت سباقاً للتو!

لم ينتابني كل هذا الخوف والحزن معاً؟
ألأني لا أعلم على أيّ أرض سينبت هذا الحب ويزهر؟
أم لأني أردت إجابة أخرى تحثّني على نسيانه وكرهِه؟!

أحمد الله على قدوم سارة في تلك الحظة وجلوسها معنا..
فلم يمسك انهمار دموعي سوى تواجدها
وكأنما تمسكتُ بغصن شجرة قبل فقدان أمل النجاة من سقوطٍ محتم!
تجرعت جرعتان من قهوتي التي استسلمت للبرودة  واستأذنت للعودة إلى المنزل

-         أتمنى لكِ التوفيق عزيزتي سارة وأتمنى أنّي قد أفدتك
أتبعت تمنياتي هذه بابتسامة لسارة وابتسامة من عالم آخر أطلقتها في اتجاه " محمد "
لم أستطع لقاء عيناه ، فضّلت الهرب

لكن بعيداً عن كل الأحاسيس التي تنتابني الآن ،
كل ما حدث اليوم  والحديث الذي دار بيننا، حتى وإن شكّلَته بضع كلمات ..
سيتحوّل إلى ساحة هدنة لأنه حقيقياً مؤكداً لا يستوجب المزايدة عليه بحديث مشتت آخر!

إذاً ليس هناك داعً للانتهاء من هذا المقام يا ساكني وقاتلي والغريب الذي اقتحم مجال عزلتي وأسوار قلعتي ..
فثمّة أزمة فرح الآن ..
واجب عليك وبحق تلاعب الأيام بي وبأحاسيسي ،
بحق احتياجي إليك، وبحق قطبينا المتنافرين،
بحق حديث روحينا الهائمتين في كل مكان ،
بحق عامنا الجديد الذي يريد منك أن تروي أملي وأملك..
لاتكن الذي يجفّف  روحه  وروح من يُحِب من غرق الحياة شيئاً فشيئاً مبتعداً داخل قوقعته..




Comments

Popular Posts