مشهد 12



تمر بي الأيام سريعاً على غير عادتها عند امتزاجها بالاشتياق والحزن معاً ..
أم تُراها أيامي أصبحت تشابه الورود في ازدواج وظائفها ،
تستخدم لزف العروس ولكن يزفُّ بها الميت إلى مثواه الأخيرأيضاً  ؛
بذات العطر وذات الرونق ..
فقط باختلاف الموازين !
ولربما أيامي تشابهت عطورها ، فاعتدتها بما فيها من أفراح وأحزان
وآثرت معاملة كلاهما على أنهما سواء .
فلعل تشابهها لديّ يمحي بعضاً من هذا التناقض الخانق
،،
كما ذكرت في البداية أيامي تمر مسرعة بي ..
لا طعم يميزها ،
لا أحداث ولا أخبار جديدة غير تلك التي أخبرتكم بها مسبقاً ..
ومتيقنة أنا بمعرفتكم نتائج تلك الزيارات الخاطفة من قبل  بعض الأمهات ،
كل ما فيني يستدعيني للرّفض المطلق لفكرة الزواج دوماً ،
وأصبحت أشك بأن حبّه هو السبب الوحيد لهذا التنافر من قبلي ،
لكن لا بأس .. وكما يقولون " عندما يأتي النصيب لن يقف أحد في طريقه ، حتى أفكارك وجميع كيانك "
وأنا مؤمنة بذلك كل الإيمان ..
آه حقاً متأسفة :/ ، كعادتي أغرق في سرد أفكاري وفلسفاتي متناسية سرد أهم أحداث يومي
..
حسناً دعوني أرى ..
يومي بدأ هادئاً جداً ، تتخلله قطرات بعض الغيمات المارّة من فوق منزلنا ،
ونسمات من الهواء المعتدل البرودة أزالت بعضاً من الأوكسجين الخانق لرئتيّ !
وبعد توقف المطر ، جائتني رغبة شديدة في استنشاق رائحة التراب النصف مبتل
ومداعبة تلك النسمات التي تلاعب ستائري خجلة ..
لن أطيل عليكم أكثر من هذا ..
ها أنا خارجة من المنزل قاصدة شوارع الحيّ بهدوئها وضجيجها ..
لكنّي لا أشعر بالتحسن أبداً .. !
وكأني بكل خطوة أخطوها أصعد بقُدراتٍ خفية إلى مشاعر معتمة ،
أرى الغيوم فامتزج بحرارة بكاؤها ،
يا لي من حمقاء .. أخرج للسير في نفس المكان الذي لطالما التقَيّته فيه !!
وليس بمقدوري الآن استنكار وظيفة الورود ولا الأشجار في تذكيري بما مضى ..
لا تسيؤو فهمي ، فالورد ومع جماله إلا أنه كما ذكرت مسبقاً " تختلط علينا أدواره "
كأول خطوة خطوتها من منزلي متفائلة بنسيان كل شيء على امل زوال كدر الحياة وجحيمها،
أراني أسير نحو ذلك الجحيم !
لا أدري ..
هل علي العودة إلى المنزل أم عليّ تغيير مساري لينتهي هذا الكابوس المتكرر من الذكريات ؟!
...

آآه !! عفواً لم أقصد !
"عليّ التخلّلص من هذه العادة أفكّر وأنا أنظر الأرض متابعة السير عمياء .."
ارتطمت بأحدهم ولم أستطع سوى تبرير الموقف بصراحة  !
هممت بالنظر إلى ذلك الشخص الذي لازم مكانه وأخذ بالاستماع لتبريراتي ،،
رغم أنه كان مسرع السير إلى وجهته !
رفعت رأسي متعجبة لهدوئه وعدم قوله " لا بأس .." أو " لا عليكِ .."
......................
..............................................
....................................................
-         هذه ليست بفواصل لمقاطع مشهدي !
لكني أعجز عن النطق بسيل الكلمات التي تتصارع الآن في ذهني !
سبقني كعادته بالسؤال ..
ما حالك ؟
لم استطع الاجابة !
ارتسمت على وجهي معالم خاوية ..
نعم ! ..
خاوية من أيّ شعور، دون جواب !!
وها هو أمامي ينظرُني بنظرةٍ أبعد كلّ البعد عن الاستغراب !
وكأنّه يعلم بجميع ما بداخلي ،
يعلم بحزني لغيابه !!
لملمت ما بداخلي من مشاعر تأبى أَلاّ تهاجمه بعواصف
وأجبت أخيراً .. بـ " لا بأس .."
جاهدت رسم ابتسامة وأكملت سيري مبتعدة عنه ببضع خطوات ،

تحدث ردات فعل غير مطابقة لحقيقتنا من هول اللحظة،
أم أن معايشة الأدوار تجعلنا نتلبّسها تماماً ..؟!
فكلما تخيلت هذه اللحظة ، وتخيلت ما يمكن قوله من غضب
أجهزّ حديث مطوّل لما قد أستطيع إخراجه !
لكن كلّ ما استطعت فعله هو الابتسام بحزن قاتل !

تزايدت سرعة خطواتي بالابتعاد عنه /
وهو؟ بدا لي أنه قد تردّد قليلاً لكنه قررّ أخيراً اللحاق بي !
تبعني مردِّداً .. " أعلم أنك لستِ بخير .. وأنا كذلك صدقيني  "
لم أُرِد التوقف عن السير فدموعي كادت أن تخونني
" لا أريد البكاء أمامه ! لست بذلك الضّعف ! "
اوقفني بيده .. " أأسف لهذا لكن أرجوكي توقفي للحظة .. "
تابعت سيري وهو تابع اللحاق بي بوتيرة سيرٍ أسرع من وتيرة سيري
" رنالدا !! "
أرجوكي فقط اسمعيني ..
توقفتُ ونظراتي لا تفارق الأرض ..
" لم استطع مصادفتكِ منذ زمن .. "

أكمل ..
" أخطأت بعدم تبرير موقفي .. أخطأت بعدم توضيح مكانتي ..! "
" والأكثر من هذا أني أخطأت توضيح مكانتكِ لديّ "
" أرجوكي .. حزني واشتياقي لا يقلان عما تشعرينَ به بذرة !! "

أكذبكُم القول لو أخبرتكُم أنني أستطيع تصديقَه،
لعلي أعمق جُرحاً مما كنت أتخيّل !
.. هممت بالرحيل مبتعدةً فلا أقوى سماع تبريراتِه أكثر
وقف أمامي معترضاً طريقي .. " أرجوكي فقط لا تفقدي الأمل منّي .. "
قالها وعيناهُ فاقدة لكل البريق الذي كان يميز عشقي لهَا  ،،
نظرته بنظرة لا أعلم ما كنت أقصد بها حقاً ،،
لكن قلبي هو من أطلقها ناطقاً  " بأن حسناً .. لربما قليلا من الامل لن يضرّ بي .. "
أعادَ تكرار جملته بأن لا تفقدي أملكِ مني رجاءاً ..
وفسح لي طريقي ليكمل طريقه هو الآخَر..
،،
أكملت سيري وبداخلي حزن ، أمل ، وفرح ، 
وكل تضاد في المشاعر أعلمه وأجهله !!
وعقلي لا يكفّ عن التساؤلات ..
لو أن الموقف لم يهزّ شعوري بقوة ..
لاستطعت البقاء أكثر ،
لاستطعت الإجابة بما يَشفي غليلي
أو لربما أجبتُه بما يشفي غليلَهُ هو !

آه لو أن قناعة رحيله عني وخيانته لعهود قلوبنا يغيب عن ناظري لوهلة !
كنت قد أفلحُ في استطراد ما دار برأسي من خيبات حينها ..
لكن الرؤيا بوضوح ورغبتي في التغيّب عن إدراك عما يربكني..
لا يأتيني إلاّ في الّلحظات التي تتبع حدّة الموقف !

تمنيت لو أنّ الآلام تأتيني على مهل وبخطى ساكنة ..
لا توقظ جميع مابي بمجرد وخزٍ بسيط !
لكن هكذا هو عنصر المفاجأة ! دائماً ما يأتي بما نشتهي بعدَهُ من المواقف ..
...
أطلتكم الحديث هذه المّرة ،،
لكن رغبتي في الحديث هذه  تأتيني كي لا يشغلني البكاء كثيراً ..
،،
أتمنى فقط لو أنهُ يعلم بأني لست أنا من يفقد الأمل بسهولة ..
،،،


Comments

Popular Posts