مشهد 5


يا له من زمان لا ينتظرنا.. ويا لها من أيام تمر بنا عابرة سبيل..!
دقات عقارب ساعة تغافلنا مشغلين..
بماذا؟!..
آآه لا أدري .. ربما منشغلين بالتفكير ..
التفكير بأسباب غياب تلك الشمس التي أشرقت كل ثانية من حياتي ثم اختفى دفؤها..
لكن ها أنا أستيقظ كل صباح .. تمام الساعة الخامسة..
لا أعلم لغز هذا النشاط العجيب الذي ألم بي هذه الأيام ..
لكنه مفيد .. يجعلني أتفكر بكل ما يجول بخاطري ..
أستعيد ذكريات جميله.. أستحدثها .. أبعثرها ومن ثم أعيد ترتيبها من جديد ..
تماما كما أفعل الآن وأنا أخطوا خطوات تأخذني إلى حيث لا أدري..
فقط أسير دون وعي بما يدور من حولي .. غير أني أشعر بكل نسمة هواء عليلة تهب لتنعش صباحي..
نعم .. أنا الآن وسط شوارع حينا الهادئ ..
من كثرة الهدوء أكاد اسمع صوت عصافير حديثة الولادة .. تغرد بصوت منخفض ..
مم " ترى أين هي الأم .." .. بدأت أصواتهم تزعج سيل أفكاري..
أخذت أحدث الهواء ناظرة إلى الأعلى وأنا أخطو خطوات دائرية .. أنظر غصون الأشجار..
أين أنت أيتها الأم..!!؟ .. هناك أفواه فارغة تريد الملء ..!
آآه نعم .." وعقول نابغة تريد التفكير هنا.. "
هذا ما كان ينقصني حقاً ! عصافير جائعة تقطع شريط ذكرياتي ..
" ألا يجدر بها أن تغرد بأجمل السيمفونيات التي تريح أعصابي لكي أكمل حديث ذاتي .. وتأملات صباحي..؟؟."
ههههه آيه صديقتي تنعت تلك التأملات بالجنون ..
أنزلت رأسي وأخفضت صوتي فقد بدأت نوافذ الشرفات تفتح .. " أتمنى أن لا يكون ذلك إثر صوتي ! "
يالا القدر!.. لم أنتبه إلى الطريق التي آلت إليه قدماي
إنه ذلك العمود ..! لازلت أذكره وأذكر كل كلمه همست لي بجانبه!
يا إلهي كم أفتقده..!
أغمضت عيناني متمته بـ.." أتمنى لو أراه هذه اللحظة.."
فتحت عيناي وأنا أضحك على رومانسيتي .. ههههههه يا لي من خرقاء حقاً
ألا يجدر بي أن أتمنى المعقول عوضا عن المستحيل..؟؟
أراهنكم أن هذا السؤال التعجبي مر بأذهانكم.!
.. هههههه اكتملت الدراما .. !! ها أنا أرى طيفه يمر بالشارع المقابل ..يدخل البقالة
يدخل البقالة ! .. من ثم يخرج وبيده علبه سجائر ....
لحظة ..!! ماذا !! ماذا اصابني .. ربما يجدر بي أن أضرب نفسي بشيء..
ربما رأسي بهذا العامود ! .. آآخ يؤلم !!
ماذا بي.. ! لازلت أراه..
لست في حلم .. بل في واقع .. وأي واااقع ..
إنني أراااه ... أرااااه .. بدأت روحي تقفز فرحاً ..!!
إنه هو هو هو !!!
حسنا علي أن أهدأ .. وو..
وو وألاحقه !!
إنه يبتعد ..
.. ها هو عقلي بدأ يزدحم بالتساؤلات.. وما زلت ألاحقه..
" متى عاد من سفره.."
"كيف لي أن لا ألحظ عودته ؟؟ " وأنا أمر بهذا الطريق كل يوم ..
" لحظة !! .. ولمن هذه السجائر ! .. ظننته لا يدخن بتاتاً..
عقلي بدأ بالتدخل ناهرني بــ " كيف لك أن تعلمي فهو لم يخبرك يوما بذلك..؟!! "
حسنا .. لم يخبرني" لكني .."
توقف ..! ترى من هذا الذي يكلمه..؟ يبدوا عليهما الشبه..
أيعقل أنه أخاه..؟ .. لكن يالا سعادتي .. أعطاه علبة السجائر
يالا الرااااحة لم تكن له ..
هممت بتعديل وقفتي خلف لافتة اختبأت خلفها ..
لا لا لاآآآآآ.. وقعت محدثةً صوتا عالياً..!
أغمضت عيناي من شدة الخجل..
" أتمنى أنه لم يراني.. أتمنى أنه لم يراني.."
ولففت ظهري .. أريد فقط الذهاب بعيداً..
يا إلهي كيف لي أن أبتعد .. و أنا في أشد الحاجة لأن اقترب أكثر ..
أمس الحاجة لمكالمته..!
رنالدا..! أهذه أنتي..؟!
لم أرد التفاف أبدااً... يالا الإحراااج..
أتمنى لو يمل من مناداتي ..
لكنه لم يفعل.. بل سارع بخطواته لكي تسبق خطواتي .. ثم أدار ليقف أمامي مواجهاً إياي..
.. " عدت بالأمس.. " سكت للحظة وعيناه أخذت تحدثني بالكثير..
" أهمها .. تلك الفرحة التي اعتلت وجهه فور رؤيتي.."
ابتسمت روحي .. وحاولت جاهدة عدم إخراج تلك الابتسامة .. لكنني متيقنة من أنه يراها..
أكمل بأنه لم يكن حتى ليحلم بأنه سوف يراني بتلك السرعة ..
.. " الحمد لله على سلامتك.. " قلتها بصوت شبه منقطع..
"كنت أمر بالجوار .. مم موعد رياضتي الصباحية .."
قلتها تعليلاً للموقف المحرج الذي وضعت نفسي فيه..
لكنني ممتنة لتلك اللافتة.. ممتنة إلى أبعد الحدود..
" شكرا لك .. كيف هي أيامك..؟ " أتمنى أنها سلسة مملوءة بالأخبار الطيبة المطمئنة.."
" أجبت بابتسامة رضوان و أومأت براسي .. أي أنها بخير.."
عدل وقفته لكي تكون بجانبي.. تاركا مساحة معقولة ..
لطالما أحببت حيائه واحترامه..
أخذنا بالسير معا .. وأخذ هو بالحديث عن أيامه وكيف أنه يشعر بشيء ما ينقصه أشار إليه بالحنين للوطن والمنزل..
وشوارع الحي..
أحسست بأن ذلك الحنين كان بعضه لي .. لكنه لم يذكر ذلك بطريقه مباشرة ..
ودعني عندما اقتربنا من منزلي .. وتمنى لي يوما جميلاً
يوماً جميلاً!! لا بل قل يوماً رائعاً.. خيالياً..
يوماً لسوف يمدني بطاقة من الهدوء والراحة والفرحة لأساابيع..
لا بل قولوا لأشهر!!
لا تسيؤوا الظن بي كعادتكم .. هذه هي عبارات جنونية يتحدث بها عقلي ..
ها أنا أغلق باب المنزل وروحي لازلت تتبعه في تلك الشوارع ...
أراكم على خير..

Popular Posts